الملح تاريخ عالمي
$21.15 USD
by : مارك كورلانسكي
هل يبدو الملح متوافرا بكثرة ، و بأسعار رخيصة؟ يجدر بنا ألا ننخدع بعيشنا الحالي : فمنذ
التاريخ البشري وصولا إلى القرن التاسع عشر ، كان الملح هو المادة الأعز التي بذل الإنسان جهودا مريرة للحصول عليها على مر العصور. و منذ استقرار الجنس البشري عبر الزراعة و تدجين الحيوانات ، برز الملح بوصفه مادة أساسية يحتاج إليها الإنسان و الحيوان و مادة لحفظ الأطعمة و تنكهتها.
و قبل ظهور التبريد شكل التمليح الأسلوب الأساسي لحفظ اللحزم و الأسماك و الأجبان و مشتقات الحليب ، إضافة إلى كونه أساسا في التوابل و الأفاويه المختلفة. لم يكن عبثا أن المهاتما غاندي اختار الملح ليكون مدخلا لاستقلال الهند عن بريطانيا ، و قبله قاد جورج واشنطن معركة استقلال أمريكا عن بريطانيا أيضا ، التي تضمنت نضالا للحصول على الحق في إنتاج الملح و الاتجار به.
و لعل أول استخدام تاريخي لافت و كثيف في رمزيته هو استعمال الفراعنة القدماء للملح في التحنيط. و المعلوم أن معتقدات الفراعنة تتركز بقوة على فكرة الخلود ، و قد جاء اصطناع المومياءات في إطار اعتقادهم بضرورة حفظ الجسد في انتظار بعثه إلى حياة أخرى. و انطلاقا من هذه المعتقدات فإن قدرة الملح على حفظ الجسم أعطته هالة أسطورية لا يصعب أبدا فهم أبعادها. و بمعنى ما ، نظر الفراعنة إلى الملح باعتباره مساويا للحياة نفسها.
و يميل كثير من شعوب العالم إلى الاعتقاد أن الأرواح الشريرة لا تتحمل الملح الذي يقدر على طردها طردا و يصعب التفكير في أي مادة أخرى نالت أي نصيب مواز من الأهمية في فكر الإنسان و معيشته بأكثر مما فعل الملح.
لعل الوجه الأكثر إثارة في الجغرافيا التاريخية للملح ، كما يرسمها الكتاب ، يتمثل في تعرف الأقوام الأوروبية القديمة على أن بعضا من جبال الألب لم يكن أبيض بفعل الثلج ، لكن لأنها جبال من الملح. و قد انتشرت مناجم استخراج المادة البيضاء على أقدام تلك الجبال ، و ظهرت مدن تحمل اسم الملح مثل سالزبورغ النمساوية ، و هالشتات الألمانية ، و يعني الاسمان كلاهما شيئا واحدا هو مدينة الملح. و خاضت شعوب أوروبية كثيرة في تجارة هذه المادة ، و امتدت طرق تجارتها عبر أوروبا ، مرورا بالشرق الأوسط ، لتكمل دربها إلى الصين. لقد امتدت طرق الملح عبر العالم لتكون أول طرق لمرور الثروات و تبادلها بين الشعوب.